السبت، 23 يوليو 2011

وجهين لعملة واحدة

 .. انها تنظف الغرفة ... فالأمر خطير إذن .. إنها تعيد ترتيب ملابسها حسب اللون و نوع القماش و المناسبة .. تطوي الملابس في شكل اتوماتيكي .. كأنها تعلق في محل الملابس .. يا إلهى .. إنها تعيد ترتيب الملابس الداخلية أيضا .... إنها أزمة كبيرة بالتأكيد .. سألتها ما بها لكنها ابتسمت ابتسامة غريبة ..فأطراف شفتاها منقلبة الى أعلى ... فهو دليل على الإبتسام .. لكنها إبتسامة لا تضيء الوجه و القلب كعادتها .. فعيونها تطوي حزن دفين ... و نداء بالإستغاثة ... دخلت غرفتها .. فوجدتها إنتقلت إلى إعادة ترتيب الكتب .. و الأوراق .. الأمر يسوء .. في الحقيقة انا أعرف تماما ما سيأتي .. ستقوم بتنظيف كل ما تقع عيونها عليه .. ستعتقد أمي أنها قد نجحت أخيرا في تربيتها وهي بذلك قد تصبح زوجة ممتازة و انها كانت متأكدة من ذلك ..  ان هذه الغرفة كانت في أمس حاجة إلى التنظيف و تحاول أن تجعلني أفعل مثلها فحالتي أسوأ بكثير و لكني أحاول ان اتهرب من اي طلب قد تطلبه مني  فتطلب منها أن تنظف أشياء أخرى في البيت .. و تتركها منغمسة في التنظيف و الترتيب .. بينما أعرف تماما . .. انها منغمسة في شيء أخر تماما .... قد تكون في مشكلة في العمل .. أو مشكلة مع واحدة من أصدقائها .. أو مشكلة عاطفية .. و لكنها لم تصنفها كمشكلة  .. و لا تعرف كيف تصنفها بعد ..

ريم .. أختي التوأم .. أعرفها كما أعرف نفسي .. يقولون ان العلاقة بين الأخوة التوائم غريبة و غير مفسرة علميا حتى الأن .. و فنحن نحمل نفس الجينات .. و قد نكاد نكون متطابقين في الشكل تماما .. لكننا إذا تربينا في مناخين مختلفين .. قد ننشأ لنصبح شخصين مختلفين عن بعضنا ... و قد تفرقنا عندما سمينا اسمين بحروف مختلفة .. ريم و جنى .. أراد أمي و أبي أن يفرضوا علينا الإختلاف حتى يعطوا كلا منا نوع من أنواع الإستقلالية ... حتى لا نكون مجبرين على أن نتواجد معا في كل شيء إذا لم نرغب في ذلك .. فهم أدرى الناس بغدر الأخوة و مدى الكراهية التي قد يكنوها لبعض في كثير من الأحيان .. بعد أن إستولى عمي على بيتنا لتسديد دين ما بينه و بين أبي لم أفهم تفاصيله حتى الآن .. كل ما أعرفه أننا نكره هذا العم .. و أنه قد آذانا كثيرا ... و لولاه لما إضطر أبي للعمل ليل نهار في مصنع الملابس الذي ورثه عن جده .. و كانت أمي أخت وحيدة على أربع أولاد .. فكانت مستغلة تماما في العناية بهم هي و جدتي .. و لم تسلم من تحكم أخيها الأكبر أيضا عندما حرمها من دخول كلية البنات في القاهرة كباقي زميلاتها .. مبررا ان تعليم المرأة غير ضروري بهذا الشكل الذي يجعلها تبتعد عنهم .. و عن العناية بهم .. فلم نعيش أبدا في نفس الغرفة .. و لم نرتدي نفس اللون من الملابس و لم يكن شعرنا بنفس الشكل كما تفعل معظم الأمهات .. ليس فقط مع التوائم بل مع أي أطفال .. أرادت أمي ان تقسم أقدارنا .. كأنها تنبأت كيف ستنتهي بنا ....

انتهت سنين الدراسة ... بعد عناء طال مع كلية الصيدلة .. و مع إختلاف حروف أسامينا ..الشيء الذي تعجب له الجميع .. فكانت مواعيد محاضراتنا و معاملنا مختلفة .. فأمضينا خمس سنين .. لم نتقابل فيها  كثيرا .. في الأجازات الصيفية قصدت أمي ايضا ان تقسم اهتمامتنا و هواياتنا ..  فاختارت ريم الكتابة و الرسم و الموسيقى .. و إخترت أنا الرياضة .. فعشقت السباحة .. و كنت اعيش يوميا في التدريب على البطولات و إنشغلت بالميداليات الذهبية و الفضية و البرونزية التي جمعتها على مر السنين .. و التي تملأ جدار غرفتي و الدولاب الخشبي ذو الوجهة الزجاجية الموضوع في الصالة الأمامية للبيت بجوار الجدار الذي يحمل صورا لكل أفراد عائلة أبي الكبيرة و صور لعائلتنا الصغيرة..  صنعه لي أبي حتى يحمل كل هذا الفخر الذي حققته لهم ..

لم نعد نتكلم كثيرا .. أنا و ريم .. فقد أقسمت أنني لن أكلمها ثانية بعد أن رأيتها في الكلية تكلم هذا الشاب أمجد .. في لحظة كانوا ينظرون إلى بعضهم كأنهم وحدهم في هذا العالم .. ثم رأيته يمد يده ليحرك خصلة الشعر السوداء التي كانت تسقط على عينيها دائما .. ففهمت انها تحب .. فكيف تجرؤ على أن تحب و أنا لا أعرف من هو هذا الشاب الغريب وقتها .. فكيف تصل بمعرفتها بشخص ما إلى أن تحبه وبدون أن تأخذ رأيي او حتى تنوه عنه في أي مرة تكلمنا بها .. كان شعورا مؤلما ان أتخيل انها كانت تكذب علي في كل مرة نتكلم او نضحك .. او حتى أسألها مباشرة من تكلم في الهاتف و تكذب و تقول أنها زميلة لها لم أسمع عنها  .... بعد مشاجرة طويلة بيني و بينها ... و مقاطعة دامت لشهور .. بدون تدخل من أبي أو أمي.. فكأنهم يبررون لأنفسهم مقاطعة اخوتهم بما فعلنا نحن . بعد هذا الفراق الذي طال بيننا ... دخلت علي الغرفة في الليل بعد ان نام أبي و أمي .. و أزالت الوسادة التي أحتضنها في فراشي .. لتحل محلها هي .. فقد تعودنا ان ننام كما كنا ننام في رحم أمي .. متكورين مثل الأجنة ... تعرف تماما أين مكانها بجواري .. كما أعرف تماما أين مكاني .. بجوارها ...

لم تعد العلاقة بيننا كما كانت .. فإني لم أسامحها .. و إذا سامحتها لن أسامحه .. و كان عندي شعورا قويا أنه إختيار خاطيء .. و انه لا يستحقها .. و أنه السبب في بكائها و هي نائمة .. و قد يكون هو الذي اقنعها ان لا تخبرني بشيء مما يحدث بينهما ..و أنا متأكدة أنه السبب في الحالة التي تمر بها هي الآن .. الوضع أصبح سيء للغاية ... فهي تمسك الآن فرشة الأسنان لتنظف نقاط إلتقاء قطع سراميك ارضية الغرفة ... منحنية على الأرض و هي تنظف بعناية و بمنتهى التركيز و الإخلاص .. كأنها تكفر عن خطيئة ما ...  او تبحث عن طهارة ما ذهبت و لم تعد ..

يرن هاتفها المحمول .. بأغنية أعرفها و تعرفها هي أيضا .. فهو إتصال من أمجد .. تضع هاتفها بعيدا هذه المرة بعكس الأيام الماضية .. فيرافقها كظلها في كل الأوقات .. و دائما ترتدي ملابس البيت التي تحتوي على جيوب حتى تضعه فيها و لا يفارقها أي إتصال او اي رسالة من أمجد .. فأخذت الهاتف و ناولته لها حتى ترد .. حتى إذا كنت أكرهه و لكني لاانكر أنه يرسم الإبتسامة المضيئة على وجهها في بعض الأحيان .. لكنها أخذت مني الهاتف و ألقته بعيدا حتى تكسر .. و تركت ما كانت تفعل .. و دخلت إلى غرفتها و بدأت في بكاء هستيري .. عندما يكون بينهم اي شيء لا نتكلم .. إذا كانت مشكلة او شيء رومانسي تخطط له .. فنحن نتعامل كما لم يكن هناك أمجد .. و إذا وجد أعود للخانة الشفافة التي إخارت ان تضعني بها في البداية ... لم ادخل لأهدئها و كأني أستمتع باللحظات الأخيرة لهذه العلاقة التي تنبأت لها بالفشل ..جمعت أشلاء الهاتف و أعدت تركيبه و تشغيله من جديد .. و ووضعته على باب غرفتها و خرجت .. في هذه اللحظات  أستمر أمجد المستفز في الإتصال حتى ردت عليه .. ثم تجمعت قواها .. و قالت .." أمجد ما تتعبش نفسك. الموضوع انتهى"

يتبع ....