الخميس، 19 أبريل 2012

تكليف

الهاتف يرن 
الدكتور مسعد يرد 
ايوة يا باشمهندس والله واحشني
صوت من الهاتف 
ما تاخدنيش في دوكة عملت ايه في الموضوع اللي قلتلك عليه 
الدكتور: حالا اهو هبعت الواد بالورقة دلوقتي 
الهاتف : طيب إبقى طمني عملت ايه و متشكرين مقدما يا سيدي تاعبينك معانا 
 ولا تاعبينك ولا حاجة ما انت ما قفلتهالي قبل كده 
الدكتور يضحك 
يكتب قبل أن يغلق الخط حتى لا ينسي على ورقة بيضاء 
طلب نقل تكليف لسالي عبد الحميد للدقهلية
انت قلتلي هي جالها التكليف رسمي فين ؟
الفيوم إدارة الفيوم
طيب طيب هنحاول كده و ربنا يسهل
سلملي على إللي عندك  


يأتي الفراش بالشاي يتجاوز الطاولة في وسط الغرفة 
الدكتور : حاسب يا محمد 
الفراش متلعثما :  حاضر يا دكتور .. إتفضل .. أي أوامر تانية ؟
أيوة إبعتلي عبير ولا أقولك إستنى دقيقة خليني اخلص من الموضوع ده 
يبحث عن ورقة اكبر .. يقلب في الملفات المبعثرة أمامه على المكتب .. 
الدكتور متسائلا : مين شال الورقة البيضة من هنا .. هاتلي ورق فلوسكاب..  اهه 
ايوة هاتي القلم كدة 
يناوله الفراش القلم بتأفف و ملل من طول الإنتظار 
يكتب 
إلى السيد وكيل الوزارة 
يرجي نقل تكليف  الأنسة /سالي عبد المجيد طبيبة اسنان من إدارة الفيوم إلى إدارة الدقهلية نظرا لظروفها الصحية التي لا تسمح لها بالتنقل خارج محافظة 
و شكرا 

يمسك الورقة يناولها للفراش 
الدكتور : خد إديها لعبير خليها تكتبها على الكمبيوتر و تطبعها و تجيبهالي دلوقتي 
ينصرف الفراش في صمت و معه الورقة 
ثم يبرطم طوال الطريق الي مكتب عبير 
 تعالى يا محمد روح يا محمد هاتي يا محمد هات يا محمد مافيش خد يا محمد ؟ و مين بقة سالي دي " ينظر في الورقة محاولا أن يفهم ما
   فيها " فيوم؟ي !    اه واسطة يعني هو هيعمل ايه يعني ماهو محدش بيعدي من تحت إيد الدكتور علاء !   
أخخخخخخخخ
..  ثم يهبط على وجهه بعد ان تعثر في قطعة من الخشب من وسط عشرات من القطع الخشبية و الأسمنت و السيراميك 
اااااااه
صوت من بعيد 
ما تخللي بالك يا عم محمد مش عارف إن المكان بيتجدد 
بيتجدد ولا بيتبهدل و يبهدلنا معاه يا بنتي 
يقوم عم محمد مساعدا نفسه "حسبي الله و نعم الوكيل " 
يدخل المكتب و معه الورقة بعد ان تكرمشت و تعفرت من أثر الوقعة 
خدي يا ست سالي إكتبي المدعوقة دي و اطبعيها و وديها للدكتور مسعد دلوقتي 
تدس عبير كيس مليء بالطعمية و الجرجير و الخبز مسرعة في المكتب قبل أن يراها عم محمد و قد تضطر أن تعزم عليه بالأكل إذا رآه 
هات يا هم محمد .. مالك إيه اللي دهولك كده ؟ 
عم محمد ما تخديش في بالك يا ستي 
يجر اقادمه خارجا و هي تناديه يا عم محمد إستنى خدها معاك و انت ماشي 
يتظاهر انه لم يسمع و يذهب بعيدا للينغمس في الحالة اليائسة اكثر و أكثر بعيدا عن الجميع .. 


تأخذ عبير الورقة و تضعها على المكتب .. فمن حقها أن تستمتع بالحديث مع زميلاتها في الغرفة مع ساندويتشات الطعمية و الجبن بالجرجير مع شفطات من الشاي الساخن .. انها اللحظات الوحيدة التي تحس فيها ان وجودها له معنى .. و ان لها رأي يسمع .. فالينتظر العمل قليلا 

 تأكل عبير و تشرب الشاي و تلتف في شالها الملون بجميع الألوان في وقت واحد .. تجحظ عينها بعيدا في الأفق ووجهها الممتلىء و ذقنها الذي يكاد يختفي خلف خديها  المنتفخين تقع عيناها على جاكت الأستاذ طلعت الذي لم تلاحظه حتى الآن .. تركز في تفصيلته و هيئة الأستاذ طلعت الطويل الوسيم ذو الشارب الأسود و الشعر المجعد و حمار وجهه من دفء الغرفة المليئة بالموظفين ماهذا الحذاء المهترىء تتساءل لماذا يهمل أحذيته بهذا الشكل ؟ .. تتذكر زوجها العائد من عمله متأخرا مرهقا معلقا على وزنها الزائد عندما دخل البيت ووجدها تأكل الكيك و الشاي أمام التلفزيون .. الأستاذ طلعت مقاطعا أفكار عبير "عبير إزيك النهارده" "الحمد لله يا أستاذ طلعت " ترد بطريقة بها حزن ما لم يفهمه الأستاذ طلعت و كأنها تلومه على شيء ما .. كانت تلومه على قسوة زوجها بعض الأحيان و كيف ذكرها بما حدث ليلة البارحة .. و على إتساخ حذاؤه .. تترك الأكل و تضعه في كيس .. تفتح الكمبيوتر .. تكتب بقسوة على الجهاز .. فتقسو عليه كما تقسو عليها الحياة .. ثم تطبع الورقة .. تأخذ الكيس و تبحث عن عم محمد .. تجده في ركنه المعتاد في الدور الرابع جالس لا يكلم أحدا فقط يدخن و ينتظر الماء ليغلي 
خد يا عم محمد 
ينظر إلى الكيس بتعفف 
ايه ده 
انا عازماك عالفطار يا سيدي 
خد الورقة اهي وديها بقى للدكتور 
تنصرف عبير بعيدا 
يفتح عم محمد الكيس يبتسم و يحمد الله 
ينظر للورقة .. البت دي مبروكة شكلها كده 
يمسك كوب من أكوابه و يغسله ثم يصنع لنفسه الشاي ليتناول الإفطار 
ينتهي من إفطاره و ينتهي يأسه مع أخر رشفة من الشاي الدافىء الذي أدفأ قلبه فبل جوفه حنان الموظفة المقهورة .. ذات الشال الملون  

يدخل مكتب الدكتور و يضع الورقة على مكتبه
إيه ده " الدكتور متسائلا
عم محمد " دي الورقة إللي حضرتك إدتهالي "
الدكتور يقرأ الورقة
يتذكر الموضوع و ما فيه ..
طيب " اختمهالي و تعالى معايا  
الدكتور يسأل : هو الدكتور علاء موجود النهارده 
عم محمد : اه موجود يا دكتور 
طيب .. 

 يتجه الدكتور إلى مكتب وكيل الوزارة ..و معه عم محمد
عم محمد مقاطعا الطريق بفزع .. حاسب يا دكتور الطريق فيه خشب و رمل
أه حاضر حاضر يا عم محمد ما تخضنيش كده
هتعدي الورقة دي إزاي يا دكتور ؟  
انا هعمل إلي عليا و خلاص .. يقف أمام مكتب مساعد وكيل الوزارة قبل أن يدخل ..
يكلمه و هو في منتهى اليأس .. شوف كده يا استاذ الآنسة دي هنعرف ننقلها ولا لأ .. 
انا عارف انه صعب بس اهو نعمل محاولة ..
مساعد وكيل الوزارة  "بقولك الأسامي دي دخلها دلوقتي
طيب يا دكتور مسعد إتفضل إستنى خمس دقايق
يتجه الدكتور و عم محمد يقف على الباب يستمع لما يحدث
يجلس الدكتور على كراسي الإنتظار في الردهة خارج المكتب
عم أحمد يهرول و يقول بصوت منخفض و هو يغطي شفتاه حتى لا يسمع أحد
يبقولو ا فيه وصاية وزير و معاها كذا إسم
هات كده الورقة يا دكتور و أنا هحطهالك
متأكد يا عم محمد ؟ لو عدت لك الحلاوة
هات بس يا دكتور و سيبها على الله
و نعم بالله
يأخذ عم محمد الورقة و يحاول ترتيب الورق لمساعد الوزير
يضع ورقة سالي وسط الأوراق و يعد الأوراق
أربعة عشر طبيب سينقل الآن بجرة قلم
دنيا غريبة ..
يأخذ الأستاذ أحمد الأوراق و يختفي خلف باب وكيل الوزارة ...

وقف عم محمد أمام المكتب بعد رحيل الأستاذ أحمد متسائلا هل ما فعله شيء جيد أم سيء
كيف سيحاسب على ما فعله .. هل يقبل ما سيعطيه له الدكتور من "حلاوة "
ما هو الحلال و ما هو الحرام في هذه اللحظة .. و هل سيغير شيء ما فعله .. قد لا يغير شيء ..
خرج للدكتور مسعد و هو على وجهه مليون سؤال و إبتسامة خفيفة تعني انه أنجز المهمة ..
يهز رأسه بالإيجاب للدكتور ..
. الدكتور "خلاص شوف هيعمل إيه و إبقى عرفني .. انا راجع المكتب ..

to be continued  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق